كتاب:"التحولات المعاصرة للسياسة الدولية وأثرها على مستقبل العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين" لمحمد بن سعيد الفطيسي

كتاب:"التحولات المعاصرة للسياسة الدولية وأثرها على مستقبل العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين" لمحمد بن سعيد الفطيسي

مقدمة:إذا ما رسمنا صورة للنظام العالمي الجديد في العقد الثاني والثالث من القرن الحادي والعشرين سنجد أنّ هذا النظام هو نظام هجين، بعيد كلّ البعد عن الأحادية القطبية أو الثنائية القطبية، اللتان لم تعودا قادرتين على إحكام قبضتهما على كلّ شيء، بل إنّ هذا النظام هو أقرب ما يكون إلى نظام التعددية القطبية الفضفاضة، فالنظام العالمي متشظٍ، ومن الأمثلة الدالة على هذا التشظي بروز النزعات القومية للدول على حساب الترابط والتوحد، ووقوع الكثير من الحروب والصراعات بين عامي 2015، 2018 م، وظهور العديد من التصرفات الفردية للقوى الدولية، وسرعة تقلّب الصداقات والعداوات,ومن الكتب المهتمة بهذا التحول السياقي، والمتناولة بعمق أثر التبدلات الحديثة والمعاصرة للسياسات العالمية في حقل العلاقات الدولية كتاب:"التحولات المعاصرة للسياسة الدولية وأثرها على مستقبل العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين" لمحمد بن سعيد الفطيسي، والذي سنتوقف في وريقاتنا التالية على أبرز أفكاره ومناقشاته.

تحولات القوة والسلطة في السياسات الدولية المعاصرة:

قبل حديثنا عن التحولات الحاصلة في موازين القوى في عالمنا المعاصر لا بدّ من أن نتحدث عن نظرية مركزية في العلاقات الدولية, ألا وهي النظرية الواقعية، إذ ترى هذه النظرية أنّ العلاقات الدولية تقوم, في جوهرها, على ركيزة القوة، بل إنّ السعي للحصول عليها هو المحرك الرئيسي للعلاقات، إذ ما زالت الرغبة بامتلاك القوة مسيطرة على آليات تفكير الدول، وذلك باختلاف أشكالها, وأحجامها, وطبيعتها، بل إن هذه القوة تتحدد من خلال معرفة المحصلة النهائية للتأثير الذي تمارسه دولة ما في الدول الأخرى, والمؤدي إلى امتلاكها قدر أكبر من الموارد.

وقد حاولت الدول التعبير عن القوة بآليتين متمايزتين،ألا وهما: الآلية المباشرة من خلال الحروب, والاحتلالات، والانتهاكات السيادية, والآلية غير المباشرة من خلال التفاهمات، والتحالفات، والتكتلات.

بل إنّ هذه القوة تظهر بصور عدّة, إذ تظهر من خلال الاحتفاظ بالسلطان، أي احتفاظ الدولة بنفوذها كما هو, دون زيادة أو نقصان، وتتجلى, أيضاً, من خلال المضاعفة,أي سعي الدولة إلى الحصول على قدر أكبر من السلطان والقوة، كما تتبدى, أحياناً, من خلال العرض,أينشر الدولة نفوذها وعرضه من دون أي احتلال أو حروب, وهذه الصور متغيرة, غير ثابتة، إذ قد تنتقل الدولة, نتيجة الظروف الدولية السياقية العمومية, من صورة محددة إلى صورة أخرى.

تحولات القوة:

مع تنامي الوعي السياسي, وتراكم تجارب الدول, وإدراكها لمخاطر القوة وعواقبها لم يعد التركيز منصباً على الحصول على أكبر قدر من القوة, بقدر ما أصبح تركيز الدولمنصباً على الحفاظ على توازنات القوى في الساحة السياسية العالمية، فلا تتضخم قوة دولية ما على حساب القوى الدولية الأخرى.

وقد حدثت تغيرات كثيرة في الساحة الدولية في القرن الحادي والعشرين,وهذه التغيرات الحاصلة هي امتداد لعقود من الصراعات والنزاعات العابرة للحدود الوطنية, وتتمثل هذه التغيرات في تراجع النفوذ والهيمنة الأمريكية، فعالم اليوم لاتهيمن عليه أمريكا هيمنة مطلقة وإن بدا أنّها المهيمنة, وبروز تحالفات جديدة، ولا سيما على الرقعة الآسيوية، مثل التحالف الإيراني الروسي, والتحالف التركي الصيني، بل إنّ هذه التحالفات ليست تحالفات بالمعنى الدقيق للكلمة, بقدر ما هي تعاون دولي محدود.

الشكل المتغير للحروب واستراتيجيات الصراع في النظام العالمي القادم:

المتتبع للنظام العالمي الجديد سيجد أنّ هنالك جملة من المتغيرات في النزاعات والصراعات؛ إذ هيمنت الابتكارات العسكرية التكنولوجية المتقدّمة، بل يمكننا القول إنّ هنالك ثورة تكنولوجية في الشؤون العسكرية، وقد يتبادر إلى الذهن أنّ هذه الثورة قد تهمش القوة البشرية الفيزيائية، إلا أنّنا نجد أن هذا التهميش ليس تهميشاً كلياً، بل هو تهميش جزئي، أضف إلى ذلك أن هذه الأدوات العسكرية لم تعد حكراً على الحكومات الرسمية فحسب، بل أضحت التنظيمات المتطرفة قادرة على امتلاكها والتأثير في السياقات العمومية، كما ارتفعت سقف مساعي الدول للحصول على أدوات القوة، من أجل ضمان حصة استراتيجية في البنية الدولية العمومية، وتأمين النفس في ظل هشاشة الصداقات والتحالفات.

هذه التغيرات في البنية الأداتية العسكرية ستفرض آليات جديدة في الصراعات,إذ سيرتفع سقف التحركات أحادية الجانب للعديد من الدول، بصرف النظر عن حجمها ومكانها في السياق الدولي، ودون مراعاة للقوانين الدولية والإنسانية، أضف إلى ذلك أنّ بعض الدويلات قد تلجأ إلى التحالفات الدولية لتعويض ضعف بنيتها العسكرية، بل إنّ هذه التحالفات قد تكون مع منظمات أو ميليشيات إرهابية، كما سيزيد التسليح النوعي على حساب التسليح الكمي، وستتوجه الدول نحو امتلاك أسلحة الردع إضافة إلى أسلحة الهجوم، حيث سيبدأ عصر جديد من هيمنة الأسلحة المضادة، وسيُعتمد على التكنولوجيا والأنظمة السيبرانية، التي  تهدف إلى التجسس على الخصم ومعرفة ما يملك، فالقدرات الاستخباراتيةوالأقمار الاصطناعية التجسسية ستكونان الحاضران الأبرزان في حرب المستقبل. وستبرز الممارسات الإرهابية بشكل أكبر بسبب عدم الحد من تسليحها، كما ستتدخل دولة ما في مجال دولة أخرى بسبب إنهاء مخالفات أو خروقات لا إنسانية تقترفها الدولة المنتهكة.

منطق الهيمنة عند الدول الصغيرة:

من الطبيعي أن نجد دولاً إمبراطورية, مثل: أمريكا وروسيا, في حالة صراع وتنافس على القوة، والهيمنة، والنفوذ، كما من المنطقي أن نرى دولاً ذات إمكانيات مهمّة, مثل: الصين، والهند، وإيران, طامحة إلى زيادة نفوذها وهيمنتها، إذ تمتلك هذه الدول إمكانيات هائلة وأوراقاً مهمّة, تمكّنها من الدخول في الساحة التنافسية العالمية.

لكن ما نلاحظه اليوم وجود دويلات صغيرة، على المستوى الجغرافي, والديموغرافي والعسكري، تسعى إلى السلطة، والهيمنة، وتجاوز حدودها الوطنية، مع عدم وجود إمكانيات كافية للدخول إلى معترك الساحة التنافسية، فيتناقض المنطق مع الواقع.

والسؤال الذي نطرحه على أنفسنا ما محفزات هذه الدول للدخول إلى هذا المعترك؟ ونرى أنّ محفزاتها تتلخص في الآتي:

ــــ النزعة الطبيعية والغرائزية للتوسع والاستعمار, وامتلاك القوة والسلطة والنفوذ.

ـــــ وجود زعامات ديكتاتورية متسلّطة في قمة الهرم السياسي لتلك الدول.

ــــ استفحال النزعة المتعصبة والمتطرفة للقومية السياسية التاريخية.

ــــ الشعور بالخوف والبحث عن الثقة والأمان.

ــــ التغيرات المتسارعة في سياسات المصالح الدولية.

ــــ الثروة والثراء المتزايد لتلك الدول.

مبدأ التبادلية في العلاقات الدولية وتأثيراته:

يحفل النظام العالمي الراهن بالعديد من المتغيرات بالغة التأثير في سيادة الدول واستقلالها، مما سيدفع هذه الدول المتعرضة سيادتها للتهديد إلى اتخاذ قرارات خطيرة، في محاولة ردع هذه التدخلات والحد منها.

وتتمثل المتغيرات الكبرى,المتشكلة بصورة متسارعة, والمؤثرة في السياسات الأمنية للدول بالتالي:

ـــ تشظي النظام العالمي الجديد، وتحوله من نظام قطبي إلى نظام لا قطبي, تعددي، وهذا النظام العالمي المتشكّل اليوم سيكون أكثر قابلية لإشعال الحروب والنزاعات.

ـــ ارتفاع سقف رغبة الدول في الهيمنة، وهذا لا يشمل الدول الكبرى فحسب، بل يشمل, أيضاً, الدول الصغرى، التي تحركت للتدخل بالدول الأخرى لتغيير أنظمتها السياسية لصالحها، وهذا التدخل قد يكون استخباراتياً أو عسكرياً,من خلال استخدام منظّمات عسكرية غير وطنية, بل قد تكون هذه المنظّمات جماعات إرهابية.

ـــ ارتفاع سقف الحروب والنزاعات القائمة على أساس قومي.

ـــ تداخل العلاقات والمصالح بين الدول، إذ تحتاح الدول الصغيرة إلى تحالفات مع الدول الكبرى لتساعدها في تحقيق مخططاتها، كما تحتاح الدول الكبرى، وذلك على الرغم من عظمتها، إلى شراكات مع الدول الصغرى، تكون بمثابة أدوات وصول لها، أي بمعنى آخر: هناك حالة ارتهان متبادل بين الدول.

إنّا لارتهان المتبادل يخلق روابط بين الدول، لكنه يجعل النظام العالمي أكثر تعقيداً، فاتخاذ قرار ما في دولة كبرى سيؤثر في الدول الأخرى المتعالقة معها، كما أنّ تحولات الدول الصغرى ستنعكس بصورة غير مباشرة في سياقات الدول الكبرى، بل إنّ بعض القرارات السياسية  التي قد تتخذها دولة صغيرة في الشرق الأوسط يمكن أن تؤثر في مضمون التوازن الدولي، وشكل التحالفات، كما قد تُعيد صياغة الشراكات, والعداوات, والصداقات لدى الدول الكبرى.

مستقبل الشرق الأوسط في النظام العالمي الراهن:

الفراغ الجيو سياسي في منطقة الشرق الأوسط؛ الميراث النهائي للهيمنة الأمريكية:

يتراجع دور الولايات المتحدة في الساحة الدولية العالمية منذ عام 2001م، وأمريكا مدركة للحتمية التاريخية لهذا التراجع، وتعمل باستمرار للحفاظ على توازن القوى في الساحة الدولية، وذلك للتخفيف من انعكاسات هذا التراجع داخلياً وعالمياً.

بيد أنّ هذا التراجع سيؤثر بصورة هائلة في منطقة الشرق الأوسط، إذ سيخلق فراغاً هائلاً ضمن المنطقة، مما سيحفز القوى الدولية على ردم هذا الفراغ، من خلال سياسات الهيمنة والسيطرة على الميراث الأمريكي الشرق أوسطي.

بناء على ذلك ستكون منطقتنا ساحة خصبة للصراعات والنزاعات الدولية، كما سنشهد باستمرار تدخلات دولية في الشؤون السيادية للدول المكوّنة لها، وذلك من أجل بناء أنظمة تتوافق مع مصالح الدولة الساعية إلى بسط نفوذها.

 

تدابير الارتقاء في خارطة الشرق الأوسط؛ التحالفات المستقبلية:

يبدو أنّ الاضطرابات في الشرق الأوسط هي نتيجة طبيعية للمتغيرات في الساحة الدولية، ولاسيما تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، والمفضي إلى فراغ جيوسياسي كبير.

ومن هنا فإنّ الشرق الأوسط مقبلة على أعوام من التحولات، والاضطرابات، والفوضى، ولاسيما أنّهذه المنطقة هي مفتاح الولوج إلى مراكز السلطة العالمية، إذ تمتلك موقعاً استراتيجياً عالمياً يحفز الدول الساعية إلى بسط نفوذها للهيمنة عليها.

فهذه الدول ذات الطموحات التوسعية النفوذية ستسعي للهيمنة على مناطق في الشرق الأوسط، في حين أنّ من يمتلك بعض هذه المناطق سيحاول الحفاظ عليها، وذلك كلّه من خلال الصراعات المباشرة، أو الصراعات بالنيابة، أو التحافات والشراكات.

ومن بين أكثر احتمالات الاصطفاف التي باتت منظورة في المشهد السياسي الشرق أوسطي، ما يلي:

ـــ إقامة كلّ من أمريكا وروسيا، اللتان هما قوتان كبيرتان لكنهما غير قطبيتين، تحالفات مع القوى القارية والإقليمية في المنطقة، وذلك بهدف تأكيد نفوذهما في المرحلة القادمة.

ـــ إقامة القوى القارية، مثل: تركيا وإيران، تحالفات مقنعة، وغير مُعترف بها على المستوى الرسمي، في حدود الشرق الأوسط.

ــ ستبحث الدول الصغيرة، التي لها قوة اقتصادية مادية، عن مكانة جيوسياسية في وسط هذا الكم الهائل من التحالفات، وستضطر إلى الاصطفاف خلف الدول العظمى، ولو بشكل مؤقت، إلى أن تصل إلى مكانة لها.

مستقبل الشرق الأوسط بين النفوذ الإيراني والهيمنة التركية:

إنّ تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وانشغال روسيا بالحفاظ على ما تبقى من مناطق نفوذها خلق حالة فراغ جيوسياسي في منطقتنا الشرق أوسطية، مما أفضى إلى محاولات إقليمية، تركية وإيرانية، لملء مناطق النفوذ الشاغرة, بل إنّ ما عزز هذه المحاولات وجود منابع النفط الشرق أوسطية، وامتلاك المنطقة موقعاً استراتيجياً مهمّاً، إذ يقع الشرق الأوسط قي قلب العالم القديم.

وتُعتبر تركيا وإيران محوران جيو بوليتيكيان مهمان، إذ تمتلك تركيا القوة العسكرية، والبشرية، والاقتصادية، والرغبة الواضحة في النفاذ القاري إلى مساحات جديدة، كما تمتلك إيران القوة العسكرية والبشرية، إضافة إلى المساحة الجغرافية الاستراتيجية والواسعة.

ومن الواضح أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تدركان مساحة كلّ من إيران وتركيا في الساحة الدولية، إذ تحاول أمريكا، بين الحين والآخر الضغط عليهما، ولاسيما على إيران، إلا أنّ هذا لا يخفي وجود تفاهمات وشراكات قائمة، وبالتحديد بين أمريكا وتركيا، في حين شهد العام 2017 م تقارباً روسيا تركيا، نتج عنه خمسة لقاءات على مستوى الرؤساء، وتوقيع عدة اتفاقيات مشتركة.

وبالتالي يمكننا القول: إنّ مستقبل الشرق الأوسط سيُرسم بناء على التفاعل المركب للمصالح الروسية، والتركية، والإيرانية، والأمريكية.

الثقل الجيو اقتصادي للشرق الأوسط والخليج العربي ودوره في تغيير خارطة الصراعات:

انتقل مركز الثقل والاهتمام للدول الكبرى إلى منطقة الشرق الأوسط عموماً، ومنطقة الخليج العربي خصوصاً، تلك المنطقة المحتوية على مخزونات النفط ومصادر الطاقة.

فالوضع الاقتصادي العالمي الراهن يعاني من أزمات كبرى، وعلى رأسها أزمة النفط، بتبعاتها على التنمية الاقتصادية وموازنات الدول، مما يثير المخاوف حيال قدرة العديد من الدول على ضبط النفس والتعامل بحكمة، وعدم إحداث صراعات من أجل سد الثغرة الاقتصادية الداخلية، ولاسيما أنّه كلما وجد البشر أنفسهم مضطرين إلى الاختيار بين الجوع أو الإغارة اختاروا الثانية.

وبالتالي يمكننا الاستنتاج أنّ السبب الجوهري للعديد من الحروب المستقبلية هو سبب اقتصادي، بصرف النظر عن الغطاءات التبريرية المتباينة التي ستدّعيها الدول المحاربة.

وعلى ضوء الاهتمام بالنفوذ الاقتصادي فقد أضحت منطقة الشرق الأوسط عموماً ومنطقة الخليج خصوصاً المنطقة الأكثر عرضة للإغارة الجيواقتصادية، بل لم تخل أي منطقة من مناطق الشرق الأوسط من صراعات ومنافسات.

وبناء على ذلك ستبقى الدول التي تقع على امتداد الخليج العربي بمثابة "جزيرة العالم" على حد تعبير هارولد ماكيندر، ومن سيسيطر عليها سيسيطر على العالم خلال العقود القادمة.

أهمية دراسة تحولات السلطة وتوازن القوى في النظام العالمي الجديد؛ سلطنة عُمان نموذجاً:

يتوجب على الدول اليوم، ولاسيما سلطنة عُمان، فهم التحولات الحاصلة في النظام العالمي الجديد، فسلطنة عُمان ذات بعد استراتيجي حساس ومهم في منطقة الشرق الأوسط، وذلك سواء من الناحية السياسية أم الأمنية أم العسكرية، أضف إلى ذلك أن عُمان تمتلك رصيداً من القوة الناعمة والحياد الإيجابي المفقود في المنطقة، مما يجعلها إحدى الدول التي من الممكن أن تلعب دوراً بارزاً في المنطقة الشرق أوسطية، زد على ذلك أنّها تجاور دولة تعيش فترة عصيبة واضطرابات جمة بشأن برنامجها النووي، إضافة إلى مجاورتها اليمن, التي تُعد ساحة للصراعات والحروب الدولية.

وفي ضوء ذلك يمكننا القول إنّ دراسة تأثيرات تحولات القوة في أي دولة من الدول، ومنها سلطنة عمان، يجب أن تنطلق من قاعدة "الهرم المقلوب"، أي فهم النظام العالمي ككلّ، ثم النزول بالتدريج إلى المستوى القاري، ومن ثم الشرق أوسطي، فالمحيطي.

مربع الانعكاسات والتأثيرات الدولية:

لم تقتصر ارتدادات أحداث الحادي عشر من أيلول على الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول والمنظمات المرتبطة بها، إذ تحولت القضية إلى أزمة عالمية لم تستثني أحداً.

فالدول المعاصرة لم تعد تتمتع بحرياتها واستقلاليتها، فهي مرتبطة، دوماً، بالعلاقات الدولية، والظروف والملابسات القائمة، فنحن نعيش في بيئة لا تقبل الاستقلالية، إذ لا دولة منعزلة عن التحولات العالمية العمومية، بل إنّ حدثاً جديداً، مثل انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية, سيلقي بظلاله على السياق السياسي، وقد يُحدث تحولات علائقية دولية جديدة.

تطبيقات النموذج العُماني على مربع الانعكاسات والتأثيرات الدولية:

إن سلطنة عُمان من الدول التي ستتأثر بالانعكاسات والمتغيرات الحاصلة على الساحة الدولة، ومن أبرز أسباب هذا التأثر:

ـــ موقعها المحوري والاستراتيجي، سواء البري أم البحري، والذي يجاور العديد من خطوط العنف ذات المستوى المرتفع الخطورة.

ـــ إشرافها على مضائق مهمّة للعديد من القوى الدولية، ولاسيما مضيق هرمز.

ـــ السياسات الاستثنائية للسلطات العُمانية، والقائمة على المثالية الأخلاقية، والمحافظة على علاقتها مع الدول جميعها.

تأثرات عمان في المتغيرات الدولية:

الناحية السياسية:

وجدت عمان نفسها أنّها بحاجة إلى التدخل السياسي والدبلوماسي في الملف النووي الإيراني، والذي هو ملف خطير جداً، ولا سيما على أمنها الوطني، فأي خلل في هذا الملف سيدفع المنطقة كلّها إلى أتون حرب, لا يُستبعد أن تكون عالمية.

الناحية العسكرية:

رغم عدم وضوح تأثير واضح للتحولات العابرة للحدود الوطنية في تبدل منظومة الشؤون العسكرية لسلطنة عمان، إلا أنّه يمكن القول إنّ هذا التبدل سيكون أكثر وضوحاً في مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وخصوصاً في جوانب التقنيات العسكرية والأمنية المتقدمة، وذلك بسبب السباق التقني للعدين من المنافسين والفاعلين الدوليين، وارتفاع مستوى المخاطر العابر للحدود الوطنية.

الناحية الأمنية:

يُعد ملف الإرهاب من الملفات المهمّة, التي لم تسلم منه أي دولة من الدول، سواء على الصعيد المباشر أم غير المباشر،  بل يتداخل هذا الملف مع مختلف الملفات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية.

ومما يدل على تصاعد الملف الأمني العماني وتعالقاته مع التحولات الدولية بناء السلطنة لسياج على طول الحدود مع اليمن، وذلك بهدف احتواء الاختراقات المحتملة للمهربين وتجار المخدرات والأسلحة.

الملف الاقتصادي:

إنّنا نعيش حالة من العولمة الاقتصادية، فأي أزمة في منطقة ما من مناطق العالم ستنعكس مباشرة في مختلف الدول الأخرى، بل إنّ الملف الاقتصادي ينعكس, أيضاً, في الملف الأمني، فكلما تزايد الاصلاح الاقتصادي في دولة ما كلما انخفضت درحة العنف, وقلّت تمظهراته.

تحولات القوة والصراع في الشرق الأوسط وتداعياتها على الخارطة الأمنية العمانية:

تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من المتغيرات الدولية، وهذه الحالة ستنعكس على السلطنة العمانية، وذلك لأسباب عدة:

ـــ الموقع المحوري لسلطنة عمان والذي أكسبها العديد من الأوراق الرابحة.

ـــ عدم استقرار العلاقات العمانية الخليجية، وذلك بسبب اختلاف وجهات النظر، وتباين الحسابات حيال بعض القضايا.

ـــ وجود علاقات عُمانية إيرانية، نتيجة عوامل جغرافية، وتاريخية، واستراتيجية, ووجود علاقات عُمانية تركية، والتي تُعد علاقات مقلقة للعديد من الفاعلين الدوليين.

ـــ السياسة الاستثنائية للسلطة العُمانية، وتمايزها من سياسات دول الخليج.

تأثير الموقع المحوري لسلطنة عُمان في سياساتها الخارجية وأمنها الاستراتيجي:

سلطنة عُمان هي خط الدفاع الأول لمنطقتنا، وذلك بناء على موقعها الاستراتيجي المحوري،وهذا الموقع سيسبب لها العديد من التحديات السياسية والإشكاليات الأمنية والسيادية، إذ ستصبح عُمان مهددة بالنفوذ الأجنبي، وتطلعات الهيمنة والسيطرة للقوى المتنافسة في الساحة الدولية، كما ستتراكم مسؤولياتها الدولية اتجاه مختلف القضايا، وستتزايد عليها الضغوط الخارجية.

بل نرى أن الضغوط على عُمان ستتزايد خلال المرحلة القادمة، وذلك لتشابك ملفات الصراع، وتزايد كم وكثافة الازمات السياسية والأمنية في الشرق الاوسط.

متطلبات العقيدة العسكرية العمانية في ضوء تحولات القوة والصراع في النظام العالمي القادم:

إن أغلب دول العالم خلال السنوات القادمة ستواجه العديد من المتغيرات السياسية والتحولات الجيوسياسية، والتي ستنعكس سلباً في البيئة الأمنية والعسكرية للدول، الأمر الذي يؤكد أهمية بناء استراتيجيات أمنية وعسكرية، قادرة على احتواء تحولات النظام العالمي الجديد، بما يحقق للدول القدرة على مواجهة ما يعترض سبيل أمنها واستقرارها, وبناء على ذلك انتهجت عمان السياسات الآتية:

ـــ بناء الجيش العماني بطريقة عصرية ومتطورة.

ـــ رفض دخول السلطنة في أي نوع من التجاذبات والصراع.

ـــ العمل على زيادة الوعي العماني بمتغيرات النظام العالمي

وفي هذا السياق,من الممكن أن تتعرض أي دولة من دول العالم، ومنها سلطنة عمان، لحملة إعلامية ممنهجة تشكل عامل خطر عليها وعلى سمعتها الدولية أيضاً، لذلك قضية إيجاد خطة إعلامية مواجهة أمر بالغ الأهمية, أضف إلى ذلك لا بدّ من بناء استراتيجية إعلامية عسكرية متكاملة, لها الدور الريادي في أي مواجهة عسكرية أو تهديد أمني يمكن أن تتعرض له السلطنة.

خاتمة:من خلال سردنا لأبرز الأفكار الجوهرية في هذا الكتاب يمكننا أن نؤكد على أهمية الوعي بالسياقات التحولية الدولية العالمية, وذلك من أجل فهم موقعنا في هذا السياق العالمي, وبناء خطط استراتيجية لمواجهة التحديات في الساحة الدولية عموماً, وساحة الشرق أوسطية خصوصاً, إذ لا يمكن لأي دولة أن تنعزل عن هذا السياق, وتتجاهل ضرورات تفكيرها في مستقبلها, ومستقبل شعبها.

العودة للمدونة

أترك تعليق