رابعة العدوية  وقصيدة  ( عرفت الهوى )

رابعة العدوية وقصيدة ( عرفت الهوى )

رابعة العدوية.. إمامة العاشقين التي أفنت حياتها في الحب ! ..

حين نذكر رابعة العدوية  فإن صورة الزاهدة العابدة المتصوفة الناسكة تتجسد أمام ناظرينا بسرعة خاطفة ؛ صورة المرأة الهادئة الوادعة التي تتجمع أنوار الهداية على وجنتيها، المرأة الأشهر في تاريخ التصوف الإسلامي كله منذ نشأته وإلى يومنا هذا لم تكن حالة عابرة خاطفة بقدر ما يأتي اسمها على الألسن وتتخيله العقول، كما أنها للمفارقة لا تزال لغزا محيراً لعلنا نجلي عنه بعض الغبار وسنوات النسيان والغموض للتذكير بها وبفلسفتها الصوفية الفريدة!

 وُلدت رابعة العدوية في بيت من أفقر بيوت البصرة .. رزحت في الفقر حتى صباها ، وزاد من ألمها وفاة والدها تاركا خلفه أرملة سرعان ما لحقت به ، ورابعة  وأخواتها الثلاث ضعيفات فقيرات خائفات من الحياة وتقلباتها ، حتى وقعت الكارثة في قحط عام في البصرة اضطر أهلها على إثره إلى الخروج منها ، فتفرقت بهن السُّبل ، فرآها أحد الظلمة وأوقعها في الأسر وباعها بستة دراهم لرجل أثقل عليها العمل ..

ظلّت رابعة على منهجها عاكفة عليه لا تبرحه ، لا تريد سوى وجه الله ومحبته ورضاه ، فقد أدركت الحقيقة وانبلجت لها من قهر المعاناة ، وألم اليُتم، وضيم الاسترقاق والعبودية ..

استطاعت رابعة أخيرا أن تنال حريتها ، وولجت رابعة أبواب الزهد والتصوف وعالمه الرحب ، واطرحت حياة اللهو والغفلة ، مقبلة على ربها ..

وفي مدينة البصرة جنوب العراق ، كانت حياة المدينة تجمع النقيضين بصورة لافتة وغريبة ، النعيم الصارخ البالغ أوج الشهوات ، والزهد القاتم القاسي المعفّر خدّه بالتراب ، فانتقلت رابعة من النقيض إلى النقيض ، في مدينة الأضداد تلك ، كما أنها أدركت أن توبتها كانت رضا من الله وإرادته ، وظلت فلسفة التوبة عندها تتكئ على هذا المعنى , فقد روى "القشيري " أن رجلا سأل رابعة: “إني قد أكثرتُ من الذنوب والمعاصي، فلو تبتُ، هل يتوب عليّ؟ قالت: لا، بل لو تاب عليك لتُبتَ”.

جعلت  رابعة العدوية حب الإله مدار زهدها ورؤيتها للتصوف، وقد اصطبغت الشكوى إلى الله بصبغة الحب والرغبة في الاتصال بهذا المحبوب الأعلى، فقد أُثر عنها أنها كانت إذا صلّت العشاء قامت على سطح لها، وشدّت عليها درْعها وخمارها ثم قالت:

إلهي! أنارت النجومُ، ونامت العيون، وغلّقت الملوكُ أبوابها، وخلا كلّ حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك”، ثم تُقبل على صلاتها، فإذا كان وقت السَّحَر وطلع الفجر قالت: “إلهي! هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليتَ شعري! أَقَبِلتَ مني ليلتي فأهنأ، أم رددتها عليّ فأعزى؟ فوَعزّتك هذا دأبي ما أحييتني وأَعنتني، وعزّتك لو طردتني عن بابك ما برحتُ عنه لما وقع في قلبي من محبّتك”

هكذا عاشت رابعة العدوية وماتت وهي سيدة العاشقين ، المرأة التي أفنت حياتها في حب الله قولاً وعملاً ، ظاهراً وباطناً ، حتى صار خفاؤها مثل علانيتها ، يعرف الناظر والسائل ، والغريب والقريب ، ماذا تريد رابعة ، وإلامَ تسير ، وعلامَ تهتدي وتتكئ ، وقد سألها الزاهد الأشهر سفيان الثوري يوما : “ما أقرب ما تقرّب به العبد إلى الله عز وجل؟ فبكت، وقالت: مثلي يُسألُ عن هذا! أقرب ما تقرّب العبد به إلى الله تعالى أن يعلم أنه لا يحبُّ من الدنيا والآخرة غيره ” ، هكذا كانت رابعة ، وعلى ذلك ماتت .. وهذا ما تلخصه أبيات قصيدتها إذ تقول :

عَرَفْتُ الهَوى مُذْ عرفْتُ هَواكَ

وأَغْلقتُ قلبي عّمَّن سِواكَ

وقمتُ أُناجِيك يا مَن تَرى

خَفايا القُلوبِ ولَسْنا نَراكَ

أُحبُّكَ حبّيْن: حبّ الهَوَى

وَحُبًّا لِأَنَّك أّهْلٌ لِذاكَ

فَأَمَّا الّذي هوَ حبُّ الهَوى

فّشُغْلي بِذكْرِكَ عَمَّن سِواكَ

وأمَّا الَّذي أنتَ أهلٌ لَهُ

فكَشْفكَ للحُجبِ حتَّى أراكَ

فلا الحمدُ في ذَا ولا ذَاك لي

ولكن لك الحمد في ذا وذاَكَ

 

 

المصادر :

  • دروس الشيخ العلامة سعيد رمضان البوطي
  • كتاب شهيدة العشق الألهي لعبد الرحمن بدوي
  • كتاب التصوف الإسلامي إلى القرن السادس الهجري للدكتور توفيق عامر

 

كتابة: سوزان غنّام

العودة للمدونة

أترك تعليق