مقدمة:
يحظى نظام الإدارة بالأهداف باهتمام متزايد في أيامنا هذه، ولا سيما أنّ نجاح تطبيقه يساعد وحدات الإنتاج المختلفة في السير بخطوات أكثر سرعة نحو التطور ورفع الكفاية الإنتاجية، ونظراً لأهمية هذا المجال كان لا بدّ لنا من متابعته، وفهم آلياته، ووعي تطبيقاته، ومطالعة الكتب المتمحورة حوله، ومن الكتب الموضوعة في هذا الحقل العلمي كتاب: "الإدارة بالأهداف؛ السهل الممتنع لتحقيق النتائج" لمؤلفه "عبد الرحمن توفيق"، والذي سنرصد، في وريقاتنا الآتية، أبرز أفكاره وتصوّراته، ومناقشاته.
المفهوم العام للإدارة بالأهداف:
إنّ أول من نادى بمفهوم الإدارة بالأهداف هو "بيتر دراكر"، أما من لعب دوراً كبيراً في نشره فهو "أوديورن"، وتُعرَّف الإدارة بالأهداف بأنّها: تحديدٌ لأهداف الوظائف الإدارية، مع ربط هذه الأهداف الفردية بالأهداف العامة للشركة، إضافة إلى ضرورة تحديد معايير لقياس إنجاز الأهداف المحددة. بل إنّ فكرة نظام الإدارة بالأهداف تقوم على أساس وجود توجهات واضحة للعمل في مختلف مجالات النشاط في المنشأة، بحيث يمكن تحديد النتائج المطلوبة، واتخاذها أساساً للمتابعة المستمرة وتقييم الأداء أثناء التنفيذ.
عناصر الإدارة بالأهداف:
لتحقيق مبدأ الإدارة بالأهداف لا بدّ من وجود عناصر محورية، تتفاعل بين بعضها البعض، ألا وهي:
الأهداف:أي تلك الغايات، والرغبات، والآمال التي نتطلع إلى تحقيقها خلال فترة زمنية محددة, والهدف الرئيس أو الأساس:وهو ذلك الهدف المركزي الذي تأمل المنشأة بالوصول إليه, والأهداف المساندة:والتي هي سلسلة الأهداف التي يُفضي تحققها إلى تحقق الهدف المركزي, والخطة:وتكون مكوّنة من سلسلة من الأنشطة، التي يؤدي استكمالها بنجاح إلى تأدية الهدف الجوهري, والأداء:وهو ما يجب على الفرد عمله طبقاً على الاتفاق مع الرئيس، ولا بدّ لهذا العمل من أن يساعد في تحقيق الهدف, وأحوال العمل:ونقصد بها الظروف المحيطة في منطقة العمل، أو إطاره العام, ومعايير الأداء:وهي الضوابط التي يُقاس الأداء بموجبها, ونقاط التفتيش:وهي محطات رقابية، لمراقبة التقدّم نحو تحقيق الهدف, والمشكلة: ونعني بها ذلك الأثر غير المرغوب فيه، والذي ينتج أثناء الأداء, والمراجعة المبدئية:وهي اجتماع بين الرئيس والمرؤوس خلال تنفيذ خطة العمل، وهدفها الوصول إلى تقييم التقدّم, ومراجعة الأداء:وتتمثل بذلك الاجتماع النهائي بين الرئيس والمرؤوس، والذي يُراجع فيه الإنجاز النهائي للأهداف.
خصائص نظام الإدارة بالأهداف:
إذا ما تمعّنا فسنجد أنّ للإدارة بالأهداف خصائص عدّة؛ فهي إدارة ابتداء وانتهاء، وليست برنامجاً إضافياً، أضف إلى ذلك أنّها تحقق تناسباً متقناً بين الأهداف، والوحدات التنظيمية، والمناصب الإدارية، مع التأكيد على أنّ الالتزام بتحقيق الأهداف ليس التزاماً شكلياً فحسب، كما تحفز على المشاركة الفاعلة بين الرؤساء والمرؤوسين, بما ينهض بمكانة المنشأة.
مبادئ الإدارة بالأهداف:
للإدارة بالأهداف مجموعة من المبادئ، والتي هي محصلة وضع العديد من الباحثين في هذا المجال، ومن أهمها:التمييز بين الأهداف وآلية تحقيقها:فكلّما كان تحديد الأهداف والآليات دقيقاً كلّما كانت الإدارة بالأهداف ناجحة, والصياغة الجيدة للهدف:بل إنّ هذه الصياغة هي معيار لجودة الأداء, ووضوح الهدف النهائي:إذ أنّ وضوح الهدف النهائي في ظل الظروف المتغيرة مهم للغاية، بل يجب متابعته متابعة مستمرة لنعرف موقعه من السياق العمومي,والمساندة التنظيمية: إذ يعتمد نظام الإدارة بالأهداف على مساندة الإدارة العليا واشتراكها في النظام بحماسة، مع التأكيد على أنّ هذه المساندة يجب أن تكون حقيقية, والأهداف المتعددة والأمثلة الفرعية:إذ لا يجوز التركيز على هدف فرعي, بل لا بدّ من التركيز, أيضاً, على الأهداف الكلية، مع إحداث تناغم وتكامل بين الجزئي والكلي, والمرونة في تطوير الأهداف:فعلى نظام الإدارة بالأهداف أن يكون حساساً لإمكانية تطوير الأهداف أو تعديلها وفق السياقات المفروضة،كما لا بدّ من الاستجابة، أيضاً، للاقتراحات والمبادرات الشخصية بهذا الخصوص, ونمو الفرد:إذ يدعو نظام الإدارة بالأهداف إلى الاهتمام بالعامل البشري, وتشجيعه على التطور والنمو.
غايات نظام الإدارة بالأهداف:
ينطوي نظام الإدارة بالأهداف على غايات عدّة، منها: وضع أسس ثابتة للتخطيط طويل المدى، إضافة إلى وضع أسس للتخطيط القصير المدى والمتوسط المدى, وتوجيه الجهود والموارد نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وضمان ارتباط الأهداف المتوسطة المدى والبعيدة المدى بالاستراتيجية العامة للمنشأة،زد على ذلك أنّ من هذه الغايات ربط الأداء اليومي بأهداف كمية قابلة للقياس.
عمليات نظام الإدارة بالأهداف:
يقوم نظام الإدارة بالأهداف بسلسلة من العمليات, تتمحور حول:
تحليل المناخ الخارجي:
وتهدف هذه العملية إلى التعرّف على الظروف الخارجية التي تعمل المنشأة في إطارها، وفي هذا السياق يجب تحليل كلّ من السوق، والصناعة التي تنتجها المنشأة، والظروف الاقتصادية المحلية، وكذلك الظروف الاقتصادية العالمية.
وهدف هذا التحليل، عموماً، معرفة مجمل الظروف التي تعمل المنشأة في إطارها، بل يمكن أن نصل من خلاله إلى: مصادر الطلب المتوقعة، وشرائح السوق، ونوعيات العملاء، وإمكانيات التطوير، وأشكال الدعم والمساندة من الدولة، وحالات الانفراج الاقتصادي المتوقع حدوثها، فيُستثمر هذا كلّه فيما تقوم به الشركة من أنشطة، وما تطرحه من سلع وخدمات، وتتلافى مصادر المخاطر المهددة للمنشأة.
تحليل المناخ الداخلي:
أي الوقوف على قدرات المنشأة وإمكانياتها، وما بها من ضعف وتقادم، ويتمحور تحليل المناخ الداخلي حول: الطاقات والإنتاجية، والموارد البشرية، والموارد المالية، والقدرات التسويقية، والإمكانيات المساندة، والهياكل والنظم، فتُحصر من خلال هذا التحليل قدرات المنشأة التي ينبغي توظيفها لاستثمار الفرص المتاحة، ونقاط الضعف أو مصادر الخلل التي ينبغي العمل على علاجها.
تحديد الاستراتيجية الرئيسة:
أي التوجهات المستقبلية التي ستقود عمل المنشأة، حيث ستعمل المنشأة على توظيف قدراتها كلّها بالطريقة المثلى لاستثمار الفرص مع خفض مخاطر التهديد الخارجي، ومعالجة نقاط الضعف, ويجب أن تتسم هذه الاستراتيجية بالوضوح، وأن تتضمن مزايا تنافسية جديدة، وأن تكون متسقة مع باقي الاستراتيجيات في المنشأة، بالإضافة إلى تمتعها بالمرونة.
التصميم الاستراتيجي:
يشمل التصميم الاستراتيجي على:التصميم الاستراتيجي التسويقي: أي تحديد السوق المُستهدف، ووعي رغبات المستهلكين، وتحديد عوامل الجذب, والتصميم الاستراتيجي الإنشائي: أي تحديد تكنولوجيا الإنتاج، وأنماط الخدمة ومستوياتها، ومتطلبات الجودة, والتصميم الاستراتيجي التكنولوجي: أي تحديد التكنولوجيا المتاحة وبيان فاعليتها، وحصر التكنولوجيا البدلية، وتحديد فرص الاستفادة منها.
مرحلة الإعداد وأدوات تطبيق الإدارة بالأهداف:
يستلزم تنفيذ نظام الإدارة بالأهداف وجود برنامج مخطط ومدروس، يسير وفق خطوات متسلسلة، وذلك لأن التطبيق العفوي للإدارة بالأهداف يؤدي, عادة، إلى الفشل ويأتي بنتائج سلبية، لذلك فإن مرحلة التطبيق يجب أن تشمل على مرحلة التقديم:وهي مرحلة غاية بالأهمية، حيث تُوضع القواعد الأساسية للإدارة بالأهداف، لتُفهم من المديرين وكافة الأطراف المعنية, ومرحلة النمو والتعديل: إذ قد لا تظهر نتائج المرحلة السابقة بسرعة، لذلك يتوجب على المدراء البدء بتنفيذ المعايير التي تساعد في سرعة التنفيذ، مثل: التصميم الجيد للنظام، والالتزام بالفكرة والتنفيذ، ودقة تطبيق الإدارة بالأهداف، وعلاج مشكلات التطبيق وتلافي تكرارها، والمراجعة الدورية وعمليات التصحيح, ومرحلة التثبيت والإرساء:فإذا أثبتت الإدارة بالأهداف نجاحها في التطبيق وتغلبت على المشاكل ستكون قد دخلت في مرحلة النضوج والاستقرار, أما أهم أدوات الإدارة بالأهداف فهي: التخطيط، والتنظيم، والمتابعة، والتقييم.
مراحل تطبيق نظام الإدارة بالأهداف:
تمر الإدارة بالأهداف بمراحل عدة, المرحلة الأولى: تتمحور حول تحديد وصياغة الأهداف العامة للمنشأة بالتعاون مع مجلس الإدارة والاستشاريين, والمرحلة الثانية: تقوم على توزيع السلطات والمسؤوليات في ضوء الأهداف العليا, والمرحلة الثالثة: تشمل تكليف خط الإدارة التنفيذي بإعداد الأهداف التي سيعملون عليها في ضوء أهداف الإدارة العليا,المرحلة الرابعة: محورها تحديد أهداف الخط الإداري المباشر في ضوء أهداف الوحدة التنفيذية التي يتبع لها, المرحلة الخامسة: هي مرحلة تحديد هدف كل موظف ومسؤول بناءً على أهداف الوحدة التنفيذية, والمرحلة السادسة: تقوم على وضع خطة عمل كلّ مسؤول في المنشأة متفق عليها مع الرئيس، ويلتزم الجميع بالتنفيذ, والمرحلة السابعة: هي مرحلة المراجعة الدورية لإنجاز الأهداف, والمرحلة الثامنة:تقويم الإنجاز في نهاية الفترة المحددة.
العوامل المؤثرة في تطبيق نظام الإدارة بالأهداف:
تتأثر الإدارة بالأهداف بعوامل عدة: شخصية الرئيس والمرؤسين ودرجة الحافز لديهم، والطريقة التي يطلب بها الرئيس من المرؤوسين تحديد الأهداف، فكلّما كانت هذه الطريقة جدية كلما حظيت عملية وضع الأهداف باهتمام أكبر، والإيجابية والتقبل، ونظرة الرئيس والمرؤوسين كلّ منهما للآخر.
فوائد نظام الإدارة بالأهداف:
يتضمن نظام الإدارة بالأهداف فوائد جمة: تحسين أداء الإدارة بصورة عامة، إضافة إلى تحسين عمليات التخطيط التقليدي والاستراتيجي، وتجويد وسائل الرقابة وأساليبها، وتوطيد العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين، وزيادة القدرات الإدارية للإداريين، كما من فوائدها تخفيف الروتين، وزيادة الإنتاجية، وتحسين العلاقة التواصلية في المنشأة، واكتشاف المهارات الصالحة للترقية، وإعطاء صورة عامة عن الشركة, وأهدافها, وتوجهاتها,ما يسهل عملية الرقابة، وزيادة فرص تحقيق الغايات، وكشف المقصرين لعدم تمكنهم من تحقيق الأهداف المنوطة بهم في الوقت المحدد والكفاءة المطلوبة.
مشكلات نظام الإدارة بالأهداف:
إنّ أي نظام يمكن أن يواجهه العديد من المشاكل، ومن المشكلات التي تواجه نظام الإدارة بالأهداف: زيادة الأعمال الورقية والروتينية، وعدم رغبة الإدارة العليا بالمساهمة في المجهود، وغياب الالتزام بالأهداف، وعدم إعطاء المعلومات الدقيقة عن الصفات الشخصية للأفراد المساهمين في العمل، والتركيز على صياغة الأهداف على حساب التنفيذ، والمبالغة في وضع الأهداف.
شروط نجاح تطبيق نظام الإدارة بالأهداف:
هنالك شرطان يجعلان من نظام الإدارة بالأهداف نظاماً ناجحاً:
قبول التغيير:
بل لا بدّ قبل إحداث التغيير من تهيئة الجو لتقبّله,وذلك من خلال التركيز على أنّ الأحوال القائمة غير ملائمة، وأنّه لا بد من عمل شيء لتحريك المنشأة، بل إنّ هذا التغيير سينعكس على الأفراد والمنشأة معاً، كما من الخطأ إحداث تغيير بسرعة لذا من الأفضل التروي.
الاهتمام بالجانب الإنساني:
وذلك من خلال التركيز على إقامة علاقات إنسانية نموذجية، ودعم الطموح والقدرات، فيشعر المرؤوس بأهميته، وأن تحقيق أهداف المنشاة هو تحقيق لأهدافه.
خاتمة:ومن هنا, فإنّ نظام الإدارة بالأهداف ليس الدواء لجميع أمراض الإدارة ونظمها الفرعية, كما أنّه ليس بالمنهج السهل الذي يمكن تطبيقه بسرعة وسهولة, ونقله إلى المنفذين وإقناعهم به، ولكن يبقى هذا النظام فعّالًا ومهمّاً خصوصاً إذا ما طُبّق تطبيقاً مميزًا، فتتجاوز المنشأة مشاكلها وتنطلق في سياق أكثر تقدماً وفاعلية.
كتابة: نور عباس