الجزء الأول: ظل الريح
عدد الصفحات : 528
قصةٌ بدأت بكتابِ بين يدي طفلٍ صغير وأنتهت بملحمة، كم مرةً قرأت كتاباً خطف قلبك وفكرت في الكاتب ترى أين هو؟ وماذا يشعر وما الذي جعله يكتب تلك الكلمات وكيف ؟ .. وهذا هو تماماً ما حدث مع "دانيال" بطل قصتنا الذي راح يبحث في حياة كاتبٍ اندثر منذ زمنٍ هو وكتبه دون سببٍ واضح ولا نهايةٍ مقنعة.. ولكن هذا البحث المليء بالعقبات سيسبب لدانيال الكثير من المتاعب كمن يبحث عن إبرةٍ في كومة قش..
الحب، الصداقة، الألم، الظلم نراهم بعين أخرى بين كلمات زافون وكأننا نعيش تلك التقلبات الحياتية كأحدى الشخصيات، كيف بدأت وإلى أين ستؤوول ..
رواية أقل مايقال عنها أنها خلطة مدهشة مشوقة تأخذك حيث كنت إلى عالمها الخاص، لا تشعرك بملل أو برغبة في أن ينتهي مشوارها وينقضي بل تزداد رغبة بها بعد كل فصل..
الجزء الثاني: لعبة الملاك
عدد الصفحات : ٦٧٨
قضيةٌ شائكةٌ يتورط بها الكاتب "داڤيد مارتين" الذي يبدأ مشواره الأدبي بالعمل في جريدة ثم يتم طرده منها ويجد نفسه تحت رحمةِ دار نشرٍ تحتكره وتجبره على العمل تحت اسمٍ مستعار حيث يكتشف أنه يبيع نفسه مقابل لاشيء فيقرر الإنسحاب ..
يتعرف مارتين بعد ذلك على ناشرٍ جديد غريب الأطوار يقدم له عرضاً مادياً مغرياً مقابل تأليف كتابٍ خطير..
هل سيوافق مارتين؟ وهل يتمكن من الرفض؟ هل هي مسألة حياةٍ أو موت؟ من هو هذا الناشر، أتراه بشراً أو ملاكاً جاء ليلعب لعبته!! هذا ما تكشفه لنا خبايا الرواية التي تدور أحداثها في برشلونة بين أشخاصٍ فارقوا الحياة تاركين بها أثاراً مخيفة وأشخاص قد يفارقونها بلحظةٍ و أخرى في ظروفٍ غامضة.. يلتقي مارتين بهم محاولاً فك ألغاز كاتبٍ وقع كتابه بين يديه وشاء القدر بأن يسكن في بيته محاصراً بذكرياته وأسرار قصته..
تتمتع الرواية بحبكةٍ مهيبةٍ وسرد أحداثٍ أسطوري يدخلك في لُجّة متاهةٍ معقدةٍ تتفتح طرقاتها أمامك تدريجياً وأنت تسير بين فصولها محملاً بالمتعة ودهشة الأبداع..
تترابط شخصيات هذا الجزء من السلسلة بالجزء السابق "ظل الريح" ولكن كل قصةٍ منهم متفردةٍ على حدى ولكلٍ خصوصيتها وجمالها الساحر..
الجزء الثالث: سجين السماء
عدد الصفحات : ٣٥٩
متاهةٌ تجبرك على الولوج فيها والتشبث في تفاصيلها إلى أن تنسى نفسك بين غموضها فترفض الخروج ..
هذه المرة يأخذنا الكاتب في رحلةٍ إلى الماضي نكتشف بها أسرار حياة الشخصية المؤثرة في الأجزاء السابقة " فيرمين" صديق عائلة سيمپيري التي تدور حولها كل الأجزاء، إضافةً إلى "دافيد مارتين" بطل رواية " لعبة الملاك" وهو الملقب بسجين السماء هنا.. ما الذي جمع "مارتين" الكاتب المضطرب و"فيرمين" الرجل العائد من عالم الأموات، وما علاقة ذلك بـ"دانيال" وعائلته؟، ذاك الصغير الذي غيّر كتاب " ظل الريح" حياته..
كل هذا سيُسدل عنه الستار بعد زيارة رجلٍ غريب إلى مكتبة سيمپيري ليقدم هديةٍ تحمل لغزاً تتسارع الأحداث نحو حله ..
أجمل ما في الجزء الثالث أنه يجعل القارئ مرتبطاً بأبطال حكايات هذه المتاهة الفنية المتمثلة بالكتب والكتّاب، حيث أنك تتعرف على قصصهم وتاريخ آلامهم وما وراء ذواتهم المتعبة..
من السهل إنهاء " سجين السماء" في يومين على الأكثر فهي مشوقة، ممتعة، ومتسارعة الأحداث..
لا أرى أنها أجمل الأجزاء بل لازلت أميل إلى "ظل الريح" قلباً وقالباً، ولكن قرائتها تبدو الأهم فهيي تكمل الأحجية وتمهد الطريق أمام الختام في " متاهة الأرواح"..
الجزء الرابع: متاهة الأرواح
عدد الصفحات : ١٠٣٥
أكثر ما يؤلمني أن " مقبرة الكتب المنسية " قد انتهت.. كيف لي أن اخرج منها ببساطة؟ كيف لي أن أنسى تفاصيلها وكل ما عشته وأنا مسحورةٌ بهذه الملحمة الرباعية.. دخلت إلى هذه المكتبة الأثرية التي تضم آلاف الكتب المُنقَذة من خراب الحياة لتحيا بين جدرانها.. دخلتها مع دانيال وهو طفلاً في " ظل الريح" وخرجت منها مع أبنه في" متاهة الأرواح" لكنني قد تركت جزءاً من روحي هناك..
لا يمكن لأي تعبيرٍ أن ينصف هذه الرواية الإستثنائية التي أعتقد أنها لن تتكرر في تاريخ الأدب، فقد مارس " زافون" فيها سحراً مخيف لن يتمكن من فكه أحد..
تدور أحداث هذه " المتاهة" حول اختفاء السجّان الذي تحكم بمصائر كلٍ من (مارتين) و (فيرمين) أبطال الأجزاء السابقة إضافةً إلى آخرين سنعرفهم بين خبايا القصة الأخيرة.. وأما الشخصية الجديدة في الرباعية فهي ( إليثيا) الفتاة العائدة من الموت لتمنح الحياة طعماً آخر.. تُكَلَفُ (إليثيا) في البحث عن ذاك الرجل المغيب بغموضٍ سيجرها وراء قصصٍ كثيرةٍ، متشابكةً بخيوطٍ ربما عقدت لتنصب لها فخاً لن تتمكن من التملص منه بسهولة..
تأخذنا هذه الفتاة الغريبة معها إلى استكشاف أحداثٍ تحبس الأنفاس حرفياً وتصدمك بتغيراتها فكلما شعرت أن اللغز قد أنحل، يتجلى أمامك طريقٌ جديد في المتاهة يغير مجرى السير الذي سيوصلنا إلى نهاية تعاكس التوقعات لكنها ترضي القارئ وتشبع فضوله..
مع الإنتهاء من قراءة هذا الكتاب ينتابني شعورٌ بأن " كارلوس زافون" ليس شخصاً عادياً مثلنا، بل لا بدَّ وأنه من عالمٍ آخر و يملك مالا نملكه نحن، فالذي دارت في ذهنه تلك الحكايات المثيرة والشخصيات المعقدة المركبة على مدار ثلاثة آلاف صفحة، واستطاع أن يجبر القارئ على إنهائها في غضون أيامٍ دون أن يتمكن من رفع رأسه عن الكتاب.. ذلك ليس كاتباً عادياً بل إنه معجزةً بحد ذاته..
بكل أسفٍ مع " متاهة الأرواح" نودع مقبرة الكتب المنسية بكل شخصياتها التي لا تُنسى وجمالها الذي لا يُختزل حتى في أروع الأوصاف..
كتابة: سوزان غنّام