رواية "ميتتان لرجل واحد" لجورج أمادو

رواية "ميتتان لرجل واحد" لجورج أمادو

للرواية بنية افتتاحية تراجيدية؛ إذ تبدأ بحدث مركزي مأسوي وهو موت كينكاس هدير الماء. هذا الحدث التراجيدي المؤثر سيكون عنصر انطلاق لاكتشاف تاريخ حياة كينكاس الجدلية، إذ سيقوم الراوي بعملية سردية استرجاعية، لينقل لنا تفاصيل حياة كينكاس قبل الموت، فكينكاس عاش نقلة تحولية عنيفة من نسق تقليدي عائلي مقبول اجتماعياً إلى نسق تمردي استثنائي شاذ اجتماعياً، وهذه النقلة  سببت حرجاً لعائلة كينكاس الأصولية، مما دفعهم إلى التنصل منه، وتجنب ذكره أو الانتساب إليه، أي غدا منبوذاً من دائرته العاطفية الأولى، ليصبح، عوضاً عن ذلك، محط إعجاب وتقدير أصحابه في النسق الجديد، وكأن كينكاس استبدل الدائرة العاطفية الداعمة المحيطة به بدائرة أخرى مختلفة ثقافياً وسلوكياً وذات قدرة هائلة على تعويضه عن كم العواطف الداعمة المفقودة نتيجة تحوله.

وقد أثر هذا التحول النسقي لكينكاس في رؤيته لطريقة موته، إذ تخيل موته بصورة استثنائية شاعرية بعيدة عن طقوس الموت النمطي، فهو لا يريد موتاً عادياً في فراش المرض بل يريد موتاً فريداً من نوعه، فيدفن بين أمواج البحر مبتعداً عن الطقوسية المعتادة للموت،

 ولكن موته الواقعي كان موتاً نمطياً، إذ وجِد صباحاً في فراشه مودعاً الحياة، وهذا الموت خلق فروقات هائلة في رؤية الدفن، فأهل كينكاس أرادوا له طقوساً جنائزية نمطية، تعيده إلى صورته الأولى قبل مروره بتجربة التحول النسقي، فاهتموا بهندامه الذي سيغادر فيه الحياة وطقوس جنازته، أما أصدقاؤه فأرادوا له طقوساً جنائزية استثنائية تتطابق مع الطقوس التي تخيلها قبل موته، كما وجدوا أنّ هذه الثياب التي ألصقها به أهله هم أحق به من الدود الذي سيلتهمها، فنزعوا عنه -بعد أن غادر أهله- ثياب النسق النمطي وأعادوه إلى ثيابه الرثة، ليصحبوه بعد ذلك في رحلة بحرية، وفي أثناء هذه الرحلة البحرية حدثت عاصفة عنيفة أدت إلى اختفاء جثة كينكاس وتحول موته من موت نمطي إلى موت طقوسي أسطوري.

كتابة: نور عباس

العودة للمدونة

أترك تعليق