مقدمة:برزت أهمية اقتصاد المعرفة وتزايدت من خلال الدور الواضح الذي تؤديه المعرفة في تحديد طبيعة الاقتصاد، ونشاطاته، والوسائل والتقنيات المُستخدمة ضمن هذا النشاط، وماتوفره من خدمات، وما تلبيه من احتياجات، ومدى المنافع المتحققة للفرد والمجتمع، وبالتالي لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع المهم وتشعباته لا بد من أن نقف عند كتاب: "اقتصاد المعرفة" لفليح حسن خلف، راصدين أبرز أفكاره وتصوراته.
المعرفة:
تعني المعرفة الإدراك والفهم والتعلّم، والمعرفة ترتبط بحالة أو واقع أو مشكلة، وهي، أيضاً، على علاقة مباشرة بمختلف البيانات والمعلومات التي تُفضي إليها. والمعرفة كذلك هي الاستخدام الكامل والمكثف للمعلومات والبيانات, ما يوصل إلى إدراك وفهم حالة معينة أو موقف محدد.
وللمعرفة نوعان؛ فهناك المعرفة الضمنية: وهي المعرفة المتضمَنةفي أشخاص محددين, يمتلكون كماً هائلاً من المعلومات، والمعرفة الظاهرة: وهي المعرفة المتمظهرة, مادياً, في شكل كتاب.وتتسم المعرفة بسمات خاصة، فهي غير مادية، وتتعرض للتغير المستمر، وهي نتاج التعلّم والخبرة، وكذلك هي تراكمية وغير قابلة للنضوب، وهي, أيضاً, تفاعلية تغتني بالحوار والنقاش.وللمعرفة أهمية قصوى فهي الأساس لتحقيق الابتكارات والاختراعات والاكتشافات، بل إنّ أي نهوض ضمن السياق العمومي لا بدّ من أن يستند إلى المعرفة، وهي, أيضاً, مورد اقتصادي مهم, وعنصر أساسي من عناصر الإنتاج.
اقتصاد المعرفة:
أما عن اقتصاد المعرفة فهو: الاستخدام الكثيف للمعرفة في النشاطات الاقتصادية، من أجل توسيعيها وتطويرها ونموها.ويتسم اقتصاد المعرفة بالاستخدام الكثيف للمعرفة، والاعتماد على الجهد المعرفي بالدرجة الأولى وإحلاله محل الجهد العضلي، وتسارع تحولات تقنياته, إضافة إلى الأرباح المرتفعة التي يحققها,إذ هويخضع لقانون زيادة العوائد وتناقص التكاليف.
أهمية اقتصاد المعرفة:
ولاقتصاد المعرفة أهمية في توليد الثروة وتراكمها، وتحسين نوعية الإنتاج وتخفيض الكلفة، كما له أهمية في توليد فرص عمل,إذ أوجد نمطاً جديداً للتخصص وتقسيم العمل,ولاسيما في المجالات التقنية المتقدمة، إضافة إلى أهميته في تحقيق تغيرات هيكلية في بنية الاقتصاد من خلال بروز أهمية الصادرات المعرفية بصورة متسارعة.
مؤشرات اقتصاد المعرفة:
هناك مؤشرات عدّة تشير إلى أنّ هنالك فجوة هائلة في اقتصاد المعرفة بين الدول النامية من جهة والدول المتقدّمة من جهة أخرى, ولاسيما أمريكا واليابان, إذ يشكّل العلماء والمهندسون في الدول النامية عشرة بالمئة فقط مما هو موجود في الدول المتقدمة,وحصة دول العالم النامي من الصادرات التكنولوجية أقل من خمسة بالمئة, كما أنّ انتشار التقنيات الإلكترونية الحديثة في الدول المتقدّمة أسرع مما هو في الدول النامية,وأكثر من ثمانين في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر مصدره الدول المتقدمة. وبالتالي ما أبرز مضامين اقتصاد المعرفة, أو ما هي المجالات التي يشملها هذا الاقتصاد؟
مضامين اقتصاد المعرفة ومعطياته:
تكنولوجيا المعلومات والاتصال
ظهرت تكنولوجيا المعلومات تلبية للحاجة الماسة لها نتيجة ثورة المعلومات، إذ غدا لدينا كم هائل من المعلومات، متمايز في نوعيته, وطبيعته، ومصادره، ما أدى إلى عجز الوسائل السابقة عن استيعابه، ومعالجته، وخزنه، واسترجاعه.أما تكنولوجيا الاتصال فهي عبارة عن وسائط وأوعية تيسر إرسال البيانات, والإشارات, والصور.
تكنولوجيا الحاسوب:
يُعتبر الحاسوب من أهم إنجازات القرن العشرين، وارتبطت به وبدرجة وثيقة ثورة المعلومات، بل ارتبطت المعرفة, حالياً, باستخدام الحاسوب، فظهرت وانتشرت بسرعة الحواسيب الشخصية.
الإنترنيت:
أي الشبكة العالمية، والتي تقوم بربط الحاسبات الإلكترونية المنتشرة على نطاق واسع، وقد كانت بداية نشوء الإنترنيتفي أمريكا في نهاية العقد السابع من القرن الماضي، حيث برزت الحاجة إلى ربط الحاسابات الإلكترونية الحكومية في المواقع المنتشرة. والإنترنيت اليوم يتيح القيام بالعديد من الأنشطة المتنوعة والمختلفة. كما يسمح بالحصول على كمية هائلة من المعلومات لاتسمح الوسائل التقليدية بالوصول إليها.
تكنولوجيا الالكترونيات الدقيقة:
ويُقصد بها كلّ ما يتم بموجبه إنتاج, وتجهيز, ونقل, وتخزين, وتوزيع, وتبادل المعلومات، وقد حصل تطور سريع وواسع في تكنولوجيا الإلكترونيات الدقيقة.وتمتاز هذه التكنولوجيا بأنّها كثيفة الاستخدام للعلم والمعرفة والبحوث، كما أنّ إنتاجها يتطلب دولاً رأسمالية قادرة على الإنفاق على هذا الإنتاج، أضف إلى ذلك أن تصنيعها يحتاج إلى تركيز شديد ودقة.
التكنولوجيا الحيوية:
تتضمن التكنولوجيا الحيوية التقنيات ذات الصلة باستخدام النباتات والحيوانات والميكروبات لإنتاج مواد نافعة ومفيدة، أو تحسين ما هو موجود من مواد,ويشمل هذا المجال زراعة الأنسجة، والمعالجة الوراثية، ونقل العوامل الوراثية للحصول على الصفات المرغوب بها في المحاصيل النباتية، وتتميز هذه التكنولوجيا بتركزها بالدولة المتقدمة، إذ تتطلب إنفاقاً واسعاً تستطيع هذه الدول تحقيقه، إضافة إلى استخدامها المكثف للمعرفة، وارتفاع معدلات إنتاجها وتطورها.
تكنولوجيا المواد:
إنّ تكنولوجيا المواد تشكل أحد المضامين المهمّة لاقتصاد المعرفة، ولاسيما أنّ تقدّم هذه التكنولوجيا يتحقق باستمرار,وتقوم هذه التكنولوجيا على التقليل من استهلاك الموارد الطبيعية المحدودة والاتجاه نحو إنتاج مواد مماثلة لها في خصائصها، أي إيجاد طاقة بديلة لا تنفد بدلاً من الطاقة الطبيعية القابلة للنفاد.
تكنولوجيا الذكاء الصناعي والأنظمة الخبيرة:
وتعني تطوير برامج حاسوبية يمكن عن طريقها التفكير والتصرف بشكل يشبه البشر، وتتمثل بالرجل الآلي.
الموارد البشرية واقتصاد المعرفة:
يُقصد بالموارد البشرية مختلف القدرات والإمكانات التي يمكن أن تُسهم في إنتاج السلع والخدمات أو تُسهم في التحفيز على هذا الإنتاج، من أجل توفير إشباع الرغبات المختلفة، فردية كانت أم جماعية.فالموارد البشرية لا تُسهم في الاقتصاد من خلال الاشتغال المباشر على الإنتاج, بل تسهم أيضاً من خلال الطلب. ونظراً لدور الموارد البشرية في القيام بالأنشطة الاقتصادية، وتكوين الثروة، وإحداث التنمية فقد اهتم بها الاقتصاديون اهتماماً بالغاً.
وما يؤكد أهمية الموارد البشرية أنّ تطور الموارد البشرية كان سابقاً دوماً لتطور الحياة الاقتصادية, وذلك في مختلف المجتمعات المتقدمة حالياً, بل إنّ أي تطور في السياق العمومي لا بدّ من أن يصحبه تطور في الموارد البشرية, أضف إلى ذلك أنّ الحروب وما تخلفه من آثار ودمار للدول وعودة تلك الدول للنهوض تثبت أهمية الموارد البشرية في النهضة الشاملة, كذلك هناك دول لا تمتلك موارد طبيعية كافية لنهضتها إلا أنّها نهضت من خلال الاستثمار الأمثل للموارد البشرية.وهناك دول تمتلك موارد هائلة ومع ذلك هي متراجعة بسبب عدم استغلال الموارد البشرية الحاضرة فيها.ومن هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية وتنميتها.
والموارد البشرية تمثل قيمة استثنائية في اقتصاد المعرفة بما يتضمته من تقنيات وآليات، إذ أنّ عناصر الإنتاج في اقتصاد المعرفة هي عناصر سلبية تتلقى تأثير الإنسان بالكيفية التي يختارها، بل إن هذا التأثير يتطلب, أيضاً, إنساناً ذا كفاءة, أضف إلى ذلك أنّ أهمية الإنسان في اقتصاد المعرفةتأتي, أيضاً, من قدرته على تحسين كفاءة تكنولوجيا اقتصاد المعرفة.
التعليم واقتصاد المعرفة:
يحتل التعليم أهمية كبيرة في خدمة المجتمع والاقتصاد، وذلك من خلال إسهام التعليم في كافة الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية والثقافية.
ويؤدي التعليم دوراً مهمّاً في الجانب الاقتصادي خصوصاً، إذ يعمل على تطوير قدرات العاملين، من خلال تزويدهم بالمعارف والمهارات، أضف إلى ذلك أنّ التعليم يسهم في إحداث التطور العلمي والتكنولوجي، وخاصة إذا ما طُور التعليم المرتبط بالبحث العلمي، كما أنّ التطور التكنولوجي سيؤثر لا محالة في السياق التعليمي,كما سيؤدي إلى تحولات في المهن، والتعليم, أيضاً, يسهم في زيادة وعي الفرد ويؤثر في سلوكه أيضاً، وفي اتخاذ قراراته الاقتصادية، وتحسين مستواه الصحي.
فالتعليم يؤثر في الاقتصاد في مختلف مجالاته من خلال نوعية العنصر البشري الذي يفرزه, وإنتاجيته, وطاقاته الفكرية، وهناك عدّة أولويات يجب أن تركز عليها الدول النامية فيما يخص التعليم من أجل الدخول في سياق اقتصاد المعرفة, ألا وهي: الاهتمام بتطوير التعليم على المستويين الكمي والنوعي, منح الأولوية في التعليم للإناث, إعطاء الأولوية لمحو الأمية عند كبار السن, التأكيد على ضرورة إلزامية التعليم حتى سن معينة, والترابط بين مراحل التعليم المختلفة, والتركيز على التعليم ذي الجانب التطبيقي, وتطوير المناهج وأساليب التدريس.
البحث العلمي والتطور التكنولوجي:
البحث العلمي هو عملية استقصاء, وتنقيب, وتحري من أجل إثراء المعرفة وتطويرها, من خلال التحليل, والنقد, والاستنتاج,وتأتي أهمية البحث العلمي من كونه يسهم في زيادة المعرفة وتطويرها، كما يسهم في الوصول إلى معرفة أدق في الكون، وتطوير الأساليب والمناهج التي تؤدي إلى زيادة الإنتاجية,واستنباط منتجات سلعية جديدة, وتحسين ما هو موجود, وتجاوز المشكلات والصعوبات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ توظيف التكنولوجيا في البحث العلمي، أو البحث العلمي من أجل اختراع التكنولوجيا متركز تحديداً في الدول المتقدمة بل إن معظم العلماء والباحثين متمركزون في تلك الدول, أضف إلى ذلك أن هذه الدول تنتهج المنهج العلمي بشقية النظري والتطبيقي, وتركز بالتحديد على الجانب التطبيقي.أما البحث العلمي في الدول النامية يواجه صعوبات مثل ضعف الإنفاق، وقلة الاهتمام، وانخفاضعدد المؤسسات البحثية، وانعدام الحافز، وعدم توفر بنية تحتية مناسبة.
التكنولوجيا واقتصاد المعرفة:
غدت المعرفة التكنولوجية الأساس للنشاط البشري، بل هي المحرك له، حيث اعتُبرت عملية التجديد في النشاطات الاقتصادية مرتبطة باستخدام الابتكارات والاختراعات التكنولوجية، فالنمو الاقتصادي مرتبط بالطفرات التكنولوجية, إذ استُخدمت هذه الابتكارات في صناعة النسيج, والطاقة, والآلات ما أدى بدوره إلى نمو النشاط الاقتصادي.
وتتمثل أهمية التكنولوجيا في ابتكار وسائل إنتاجية جديدة, وزيادة الإنتاجية, اكتشاف طرق ووسائل إنتاج جديدة, إضافة استخدامات جديدة للموارد الاقتصادية, وزيادة القدر المتاح من الطبيعة عن طريق اكتشاف موارد جديدة.ويبدو أنّ معظم الدول النامية تعيش في حالة تبعية تكنولوجية؛ إذ تعتمد على استيراد وسائل الإنتاج التكنولوجية, كما تفتقر إلى المعرفة المتصلة باستخدام التكنولوجيا, وتعاني ضعف القدرة على اختبار التكنولوجيا الملائمة للظروف, إضافة إلى عدم توفر معرفة قادرة على تحسين التكنولوجيا.
ومن متطلبات بناء القدرة التكنولوجية واقتصاد المعرفة: توفير المعرفة العلمية, وبناء مؤسسات علمية قادرة على توفير المعرفة, ووجود مؤسسات بحثية, وتوافر المستلزمات التحتية والبشرية, وتطوير السياسات التي تشجع المعارف.
الشركات المتعددة الجنسيات واقتصاد المعرفة:
هناك خلاف في تحديد ماهية الشركات المتعددة الجنسيات, فمنهم من يذهب إلى أنّها تلك الشركات التي تمتلك نشاطاً في عدّة دول, ومنهم من ذهب إلى أنّها شركات تعود ملكيتها لأكثر من دولة, وهناك من رأى أنّها شركات ذات طاقة إنتاجية هائلة تغطي متطلبات واسعة, وبالتالي: إنّ الشركات متعددة الجنسيات هي الشركات التي تتجاوز جنسية الدولة التي تعود إليها الشركة, سواء في ملكيتها, أم نشاطاتها, أم عملياتها الإنتاجية, فهي شركات أقرب ما تكون إلى العالمية.
وللشركات متعددة الجنسيات أنماط عدّة, فهناك شركات متعددة الجنسيات ذات طابع مركزي, أي الشركة وطنية أساساً لكنها تمتلك أكثر من فرع في دول العالم, وهناك شركات متعددة الجنسيات لامركزية, وهي التي تستقل فروعها نسبياً عن المقر المركزي للشركة, أضف إلى ذالك الشركات متعددة الجنسيات ذات النمط الجغرافي, وهي الشركات التي تمتلك موارد هائلة, وتمارس نشاطها على امتداد البقع الجغرافية في العالم.والشركات متعددة الجنسيات برزت من فترة غير قريبة, ولا سيما بعد الثورة الصناعية, إذ ازداد عدد الشركات, وكبر حجمها, ونشطت عبر الأسواق المختلفة من أجل تصريف إنتاجها, وتمتاز هذه الشركات بأنّها؛ كبيرة الحجم, ومتنوعة المنتجات, وممتدة عبر الأماكنالمختلفة, وتسيطر على النشاطات التسويقية, وتمتلك قدرات تكنولوجية تساعدها في نشاطها الهائل, ولها طاقات تمويلية تمكنها من الهيمنة على القطاعات الأخرى.
سلبيات الشركات متعددة الجنسيات:
إنّ هذا النمط من الشركات يفرز سلبيات عدّة, إذ تحقق أرباحاً مرتفعة نتيجة موقعها الاحتكاري,وفي الوقت نفسه تفرض أرباحاً هائلة على التكنولوجيات التي تصدرها إلى الدول النامية, كما أنّها تحول أرباحها التي تحصل عليها من خلال عملها ضمن الدول النامية إلى خارج هذه الدول, أضف إلى ذلك أنّ الشركات هذه لا تمول النشاطات في الدول النامية الموجودة فيها ولا توفر لها النقد الأجنبي, ومما يثير الانتباه أنّ هذه الشركات لا تستخدم وسائل تكنولوجيا المعرفة في الدول النامية التي تعمل فيها, إذ أنّ استخدامها في هذه الدول مرتفع وتقف في وجهه معيقات.
العولمة واقتصاد المعرفة:
إنّ مصطلح العولمة من المصطلحات المُستخدمة بكثرة, والعولمة ليست ظاهرة حديثة, بل هي قديمة, لكن حالياً حدث تحول في ماهيتها وأدواتها, والعولمة هي اتباع الدول الكبرى المهيمنة آليات ووسائل تجعل شيئاً ما ينتشر في السياق العالمي كلّه, أي العولمة قائمة على تباين القوى, وفرض القوي هيمنته وفق مختلف الوسائل على الآخر النامي.
ولعلّ أبرز مظاهر العولمة هي العولمة الاقتصادية, وما يميز هذه العولمة الاقتصادية أنّ معظم التحولات التقنية المُسهمة في إحداث تحول اقتصادي متمركزة في الدول المتقدمة, وبالتالي هناك ارتفاع في الحصة الإنتاجية للدول المتقدمة مقابل انخفاض الحصة الإنتاجية للدول النامية, أضف إلى ذلك تمركز التقدم التكنولوجي الواسع المرتبط باقتصاد المعرفة في الدول المتقدمة, أي هناك فجوة واضحة في اقتصاد المعرفة جعلت العالم منقسماً بين عالم نامٍ وعالم متقدّم.
المتغيرات الاقتصادية واقتصاد المعرفة:
إنّ اقتصاد المعرفة ومعطياته وما يرتبط به من تقنيات يؤدي إلى إفرازات متنوعةومتزايدة وبسرعة فائقة, ما يؤثر في الاقتصاد بقطاعاته ونشاطاته. وإنّ التكنولوجيا, عموماً, وتكنولوجيا المعرفة, خصوصاً, أسهمت في تقليل الجهد العضلي وساعات العمل, مقابل تعزيز الجهد الفكري وفق مستويات عليا. وهذه التكنولوجيا أحدثت تبدلات هائلة في العلاقة بين العامل, والعمل الذي يؤديه, وصاحب العمل، إذ برزت أنماط جديدة لممارسة العمل، بل قد وصل الأمر إلى حد انتقال العمل إلى المنزل. كما أدي اقتصاد المعرفة إلى زيادة الإنتاجية على الرغم من قلة ساعات العمل والجهد المبذول.
القطاعات الإنتاجية واقتصاد المعرفة:
القطاعات الإنتاجية, وعلى رأسها القطاع الزراعي, تحتل مكانة بارزة في اقتصاد المعرفة, فالقطاع الزراعي يُعتبر المصدر الأساسي في توفير المنتجات الغذائية التي تلبي احتياجات أفراد المجتمع, كما أنّ المنتجات الزراعيةتسهم في توفير مستلزمات القطاعات الصناعية التحويلية, كما مثلت الزراعة الأساس للتمويل اللازم للقطاعات الاقتصادية.وقد أدى اقتصاد المعرفة إلى حدوث تحولات في القطاع الزراعي, إذ أصبح أكثر حداثة, وارتبط باستخدام التكنولوجيا, بل إنّ الثورة الزراعية تحققت من خلال الثورة التكنولوجية, كما حدث توسع في استخدام الآلاتوالأسمدة, معظهور استصلاح الأراضي, أما الصناعة الاستخراجية فقد تأثرت تأثراً بالغاً في اقتصاد المعرفة, بل إنّ استخراج هذه الثروات الباطنية كان, ومازال, مرتبطاً باقتصاد المعرفة, ومن أبرز هذه المواد الاستخراجية, بعد النفط, الحديد, إذ هو مرتبط بالثورة المعمارية التي شهدها عصرنا, كما عمل اقتصاد المعرفة نتيجة خشيته من نفاد هذه المواد إلى ابتكارات جديدة, توظف الموارد التي لا تنفد بدلاً من استخدام المواد الطبيعية القابلة للنفاد وإهدارها.
القطاعات الخدمة واقتصاد المعرفة:
هي من القطاعات الحاضرة بقوة حتى في الدول النامية, إذ لا يمكن الاستغناء عنها, وللقطاعات الخدمية مكان بارز في اقتصاد المعرفة, وذلك لما تحققه من مردرد اقتصادي كبير, ويختلف تأثير القطاعات الخدمية في الاقتصاد تبعاً لتطورها, فكلما كانت متطورة كلما حققت دخلاً أكبر, وما يميز عصرنا أنّ بعض القطاعات الخدمية, مثل: التعليم, والصحة, والإدارة غدت مرتبطة بالتكنولوجيا, محدثة تحولاً هائلاً في البنية الخدمية, إذ أصبح الوصول إليها معتداً على التكنولوجيا.
السمات العامة للدول المتقدمة:
تتسم الدول المتقدمة بعدّة سمات: مثل؛ الملكية الخاصة للشركات, واعتماد التسويق, الحرية الاقتصادية وحرية رؤوس الأموال, وعدم وجود تدخلات تعيق حركة السوق, والتخصص في الإنتاج, والاستحدام الأمثل للموارد, وتطور نظلمها التعليمي كماً ونوعاً, وتقدم مواردها البشرية ولاسيما في الجانب النوعي, والتأكيد على البحث والتطور العلمي, وتطور النشاطات الاقتصادية وتنوعها, تطور البنية التحتية, وتوفر مناخ البحث العلمي
السمات العامة للدول النامية:
تتسم الدول النامية, عموماً, بارتباط اقتصادها بالمراحل الإنتاجية الأولى, وازدواجيته,واختلال الهيكل الإنتاجي؛ أي ارتفاع نسبة أهمية قطاعات محددة على حسابقطاعات أخرى, وتخلف طرق الإنتاج وضعف رأس المال, وانخفاض قدرات السكان نتيجة غباب فاعلية النظام التعليمي,وعدم قدرتها على إنتاج أدوات اقتصاد المعرفة, واعتمادها على استيرادها مع غياب الوعي بالآليات المثلى للتعامل معها, وضعفالإمكانيات البحثية التي تؤدي إلى إنتاج أدوات اقتصاد المعرفة
خاتمة:إنّ اقتصاد المعرفة يفرض نفسه عالمياً, كما يفرض نفسه على مختلف القطاعات السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, والثقافية, لذلك لا بدّ من امتلاك الوعي لمعرفة آليات التعامل معه,أضف الى ذلك أنّ النهضة الشمولية المعاصرة تستدعي نهضة اقتصاد المعرفة, كما أنّ تبلور نهضة اقتصاد المعرفة لا تتم إلا من خلال ثورة شمولية على النظم الواقعية القائمة من أجل تجاوزها كلياً واللحاق بركب حضارة دول اقتصاد المعرفة.
كتابة: نور عباس