نزار قباني

نزار قباني

يعد الشاعر السوري نزار قباني صاحب مدرسة في الحداثة الشعرية، عنوانها جرأة في القضايا والمضامين، سواء في ذلك احتفاؤه بالحب والمرأة، أو نقده اللاذع للحالة السياسية العربية.

ولد نزار بن توفيق قباني في 21 مارس/آذار 1923 بالعاصمة السورية، لأسرة دمشقية عربية عريقة، حيث نبغ فيها جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي، نشأ نزار في بيت عتيق وفسيح يحمل عبق التراث، كان والده "توفيق" من أعيان البلد وتجاره، ومن محبي الشعر والأدب عموماً، فضلاً عن دعمه للحركة الوطنية.

أشتهر نزار بشعره الغزلي الذي يتمحور حول الأنثى, كان يكتب بإحساسها وآلامها فقد قضى حياته في محاولة الانتقام من البنية الاجتماعية الفظة التي تتعامل مع المرأة كأنها قطعة أثاث في المنزل.. لربما كان لوالدته الفضل في ذلك فقد كانت أنثاه الأولى التي أنبثقت من حبها قصائده في حب المرأة والدفاع عن قضيتها..

تغنى نزار بمحبوبته الأولى والأخيرة "دمشق" التي ظلت بوصلته الشعرية وقصيدته الخالدة, فقد وصفها بأعذب الأبيات كعاشقٍ متيمٍ, ولكن قصائده لم تخلوا من حسرة الفراق ونار الاشتياق لبلدٍ غادرها ولم تغادره يوماً..

فرشت فوق ثراكِ الطاهر الهُدُبا فيا دمشقُ لماذا نبدأ العتبا؟

حبيبتي أنت فاستلقي كأغنيةٍ على ذراعي ولا تستوضحي السببا

أنت النساء جميعاً ما من امرأةٍ أحببتُ بعدك إلا خلتها كذبا

ظل نزار على عهد الياسمين الدمشقي باقٍ, فقد كان يخاطب دمشق في قصائده كامرأة لطالما ذبحه حبها, وفي مشهد شعري آخر نجد الشام في قصائد نزار أماً, أماً تحتضن وتداوي الجراح "قادمٌ من مدائن الريح وحدي , فاحتَضنّي كالطفل يا قاسيونُ", وتارة تكون مناضلة شجاعة تدافع عن العروبة بكل بسالة "علمينا فقه العروبـة يا شام, فأنتِ البيـان والتبيـيـنُ" لم يكن نزار محباً لوطنه وحسب بل أنه كان مؤمناً بدمشق كل الأيمان كعقيدة سار على نهجها طوال حياته..

هذي دمشق.. وهذي الكأس والراح

إني أحب... وبعـض الحـب ذباح

هنا جذوري.. هنا قلبي... هنا لغـتي

فكيف أوضح؟ وهل في العشق إيضاح؟

 

لم تُغمض عينيّ نزار قباني لآخر مرة في دمشق التي أحبها، بل في العاصمة البريطانية لندن التي قضى فيها آخر عمره، ولكن في وصيته التي كتبها في المستشفى، طلب بأن يُدفن في دمشق: "أرغب في أن يُنقل جُثماني بعد وفاتي إلى دمشق ويُدفن فيها في مقبرة الأهل، لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر، وعلمني الإبداع، وأهداني أبجدية الياسمين، هكذا يعود الطائر إلى بيته، والطفل إلى صدر أمه". وفعلاً نُقل جثمان نزار قباني إلى مسقط رأسه دمشق ليُدفن في مقابر العائلة..
  
لم تكن جنازة الشاعر الدمشقي الكبير جنازةً عادية, بل كانت عُرساً حقيقياً شغل أهل دمشق وعرقل السير طويلاً في شوارعها, حمل المُشيعيين -من المشاركين أهلاً ومثقفين- النعش الملفوف بالعلم السوري على الأكتاف، قاطعين دمشق سيراً على الأقدام من غربها إلى شرقها..

رسم نزار قباني هوية مدينة دمشق بشعره بتفاصيلها الأموية والعربية، وكرمته الدراما السورية بمسلسل سيرة ذاتية عن حياته حمل اسمه، واحتفت إحدى حلقات المسلسل السوري الشهير "الفصول الأربعة" به في لوحة حملت عنوان "أصدقاء نزار"، والتي قال في ختامها الفنان السوري الكبير خالد تاجا على لسان شخصية كريم التي أداها في المسلسل:

                 "الدنيا لسى بخير.. إذا في بلد كامل بيطلع بجنازة شاعر"

كتابة: سوزان غنّام

العودة للمدونة

أترك تعليق